شرح حديث ان الله يبغض كل جعظري جواظ
الحمد لله رب العالمين، له النعمة و له الفضل وله الثناء الحسن، والصلاة والسلام الاتمان
الاكملان على سيدنا محمد سيد ولد عدنان، اشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك
له وان محمدا عبده ورسوله شهادة من رضي بالله ربا و بالاسلام دينا و بمحمد
نبيا.
قال الشيخ عافاه الله روينا باسناد متصل صحيح في صحيح ابن حبان رحمه الله ان
نبي الله صلى الله عليه وسلم قال” ان الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب بالاسواق
جيفة بالليل حمار بالنهار عارف بامر الدنيا جاهل بامر اللاخرة”. سمى رسول الله صلى الله
عليه وسلم في هذا الحديث اناسا وصفهم بهذه الصفات، الصفة الاولى ان يكون المرء جعظريا
وهو الجموع المنوع اي الذي يحرص على جمع المال بنية فاسدة وهي ان يكون جمعه
للمال حبا بالمال من حيث ذاته ليتوصل لاشباع شهواته المحرمة وليفخر و يتكبر على عباد
الله، ليس يجمع المال من طريق الحلال ليصرفه فيما احل الله لان الذي يجمع المال
ليصرفه بالحلال لا ليفخر به على الناس ولا ليبطر به بطرا ولا ليتوصل به الى
الشهوات المحرمة فان ذلك ليس بمذموم لان رسول الله صلى الله عليه و سلم لم
يذم المال ذما مطلقا ولا مدحه مدحا مطلقا، المال منه ما يذم ومنه ما يمدح.
فالمال المذموم هو المال الذي يجمعه المرء من حرام لا يبالي من حلال اخذه ام
من حرام او يجمع المال ليقضي به شهواته المحرمة اي ليشبع نفسه من شهواته المحرمة
او ليفخر به على الناس او ليتكبر فهذا هو المال المذموم، واما المال الذي يجمعه
المرء المسلم من حلال بنية ان يستر به نفسه وينفع به نفسه او غيره او
ينفقه على اولاده وعلى ابويه وغيرهما من اقاربه بغير نية التوصل الى الفخر والتكبر على
الناس فان ذلك المال ليس بمذموم ودليلنا على ذلك ما رواه الامام احمد وابن حبان
بالاسناد الصحيح انه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص “نعم المال الصالح للرجل
الصالح”، والمال الصالح هو المال الذي يجمعه المرء ويكتسبه بطريق حلال، واما الرجل الصالح فهو
الانسان المؤمن الذي يقوم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد، يعرف ما افترض الله عليه ويؤديه
ويعرف ما حرم الله عليه ويجتنبه، يصلي كما امر الله ويصوم كما امر الله ويزكي
كما امر الله ويامر بالمعروف وينهى عن المنكر فان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من
جملة الفروض التي افترضها الله على عباده وذلك شان من مدحهم الله تعالى بقوله {كنتم
خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}، امة محمد هم افضل
امم الانبياء هم اكثر اولياء و علماء و فقهاء حتى ان المسيح عليه الصلاة والسلام
قال عن امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “علماء حلماء بررة اتقياء كانهم من
الفقه انبياء” رواه ابو نعيم في الحلية، والله تبارك وتعالى وصف هذه الامة المحمدية بان
من شانهم انهم يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كان في ما مضى من الزمان اناس
محققون لهذه الصفة واما اليوم فقد قلوا، ومع ذلك لا تخلو الامة منهم لان الله
تعالى وصفهم بذلك، وروينا في صحيح ابن حبان كذلك ايضا انه صلى الله عليه وسلم
قال” ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويامر بالمعروف وينه عن المنكر” فما
لم تتحقق له هذه الصفات الاربعة لا يكون المسلم كاملا في الدين. فقوله صلى الله
عليه وسلم” ان الله يبغض كل جعظري” فيه ذم لمن همه جمع المال لا يبالي
ان جمعه من حلال او من حرام ويبخل عن دفع المال في ما امر الله
تعالى بالانفاق فيه.
واما الجواظ فهو الرجل المستكبر فاذا جمع مع صفة الجعظري ان يكون جواظا فقد ارتفع
في الشر والفساد. ثم ان زاد على ذلك ان يكون سخابا بالاسواق اي انه من
شدة حرصه على المال يكثر الكلام في سبيل جمع المال وان يكون جيفة بالليل حمارا
نالنهار اي يستغرق ليله بالنوم ولا يهتم بان يكسب في ليله من الصلوات وحمار بالنهار
اي ان همه التفنن بالاكل والاكثار من الملذات وينشغل بذلك عن القيام بما افترضه الله
عليه ثم اذا انضاف الى ذلك الوصف الاخير وهو ان يكون عارفا بامر الدنيا جاهلا
بامر الاخرة فقد تزايد شره، فمن هنا يعلم ان من اتاه الله المال وكان عارفا
بطرق جمع المال وهو جاهل بامور الدين اي بما افترض الله عليه معرفته من علم
الدين فهو من شر خلق الله. ثم لا سبيل الى اداء ما افترض الله واجتناب
ما حرم الله الا بمعرفة العلم الضروري من علم الدين الذي قال فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم “طلب العلم فريضة على كل مسلم” فمن اعرض عن التعليم يهلك
وهو لا يشعر فانا لله وانا اليه راجعون. ثم الفقهاء من اهل المذاهب الاربعة لم
يغفلوا بيان هذه الاشياء الاربعة فليتق الله امرؤ امن بالاخرة.
روينا في صحيح البخاري من قول علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال “ارتحلت
الدنيا وهي مدبرة وارتحلت الاخرة وهي مقبلة فكونوا من ابناء الاخرة ولا تكونوا من ابناء
الدنيا اليوم العمل ولا حساب وغدا الجزاء ولا عمل”، فسبحان الله وتعالى عما يصفون.
- ارتحلت الدنيا و هى مدبرة و ارتحلت