الخطبة الاولى :
الحمد لله نحمده ، و نستعين به و نسترشده و نعوذ به من شرور انفسنا
و سيئات اعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلن
تجد له وليا مرشدا ، و اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك
لك ، اقرارا بربوبيته و ارغاما لمن جحد به و كفر ، و اشهد ان
سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت
عين بنظر او سمعت اذن بخبر ، اللهم صلي وسلم و بارك على سيدنا محمد
و على اله و اصحابه و ذريته و من تبعه ذي احسان الى يوم الدين
، اللهم لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما
ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وارنا
الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه ، وادخلنا برحمتك في
عبادك الصالحين .
مصداقية دعاء النصف من شعبان .
اللهم ان كنت كتبتني عندك في ام الكتاب شقيا او محروما مقترا علي في الرزق
، فامح اللهم بفضلك شقاوتي ، وحرماني وتقدير رزقي !..
ايها الاخوة المؤمنون ؛ هذه فقرات من دعاء يدعو به الناس في النصف من شعبان
..
هل ورد هذا الدعاء في القران الكريم ؟!
ام هل اوثر عن رسول الله صلوات الله عليه ؟ !
ام هل نقل عن صحابة رسول الله رضوان الله عليهم ؟!
لا يا اخوة الايمان .. انه من وضع رجال يخطئون مثلما يصيبون وتزل قدمهم مثلما
ينهضون ، والقران هو الحكم والفيصل والحجة والبيان.
ايها الاخوة ؛ ان الله تعالى الذي وسعت رحمته كل شيء ، والذي قال في
حديث قدسي :
(( لو يعلم الكافر حبي له لتقطعت انفاسه حياء ))
والذي قال في حق عباده العاصيين :
(( ان تابوا فانا حبيبهم ، وان لم يتوبوا فانا طبيبهم ))
ان الله تعالى ارحم من الام بولدها ، بل ارحم بعبده من نفسه ، انه
تعالى قد خلق الخلق ليسعدهم ، وليرحمهم ، ان الله تعالى وهذه رحمته لا يعقل
ان يكتب على انسان ان يكون شقيا محروما مقترا عليه في الرزق قبل ان ياتي
الى هذه الدنيا ، وقبل ان يظهر خيره من شره ولكنه يكتب عليه ، ما
قدم من عمل ، ولا يجبره على عمل ما ، فالمسؤولية لا تكون الا بالحرية
، وانت لا تحاسب احدا على عمل الزمته بفعله ، قال تعالى :
﴿ انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا واثارهم وكل شيء احصيناه في امام مبين
﴾
[ سورة يس الاية : 12 ]
﴿ نكتب ﴾
فعل يدل على الزمن الحاضر .
﴿ قدموا ﴾
فعل يدل على الزمن الماضي .
اي ان الله يكتب على الانسان ما قدم فعله من اعمال ، وليس العكس .
واذا اصاب الانسان شقاء ، او حرمان ، او تقتير في الرزق ، فمن عمله
، ومما كسبت يداه .
جاء في الحديث القدسي عن ابي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى اللهم عليه
وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى انه قال :
(( يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي
كلكم ضال الا من هديته فاستهدوني اهدكم يا عبادي كلكم جائع الا من اطعمته فاستطعموني
اطعمكم يا عبادي كلكم عار الا من كسوته فاستكسوني اكسكم يا عبادي انكم تخطئون بالليل
والنهار وانا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم يا عبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني
ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى
قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو ان اولكم
واخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا
يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسالوني فاعطيت كل
انسان مسالته ما نقص ذلك مما عندي الا كما ينقص المخيط اذا ادخل البحر يا
عبادي انما هي اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن
وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه ))
[اخرجه مسلم]
وقد يسال سائل ما الحكمة من دعاء النصف من شعبان ؟
بل ما حكمة الدعاء اي دعاء ؟
فاذا كان الله جل وعلا رحيما بخلقه ، بصيرا باحوالهم ، عليما بما تصلح به
نفوسهم ، قادرا على انقاذهم مما هم فيه .
فهل ينتظر دعاءهم ليمد اليهم يده الكريمة !!..
وهل يصرف ربنا عن عبده المؤمن خيرا نسي ان يساله اياه ؟!.
وهل يسوق اليه مصيبة نسي ان يساله النجاة منها ؟!.
والحقيقة يا اخوتي ، ان الله سبحانه وتعالى اعظم واكرم وارحم من ان يصرف عن
عبده المؤمن خيرا ، او يسوق اليه مصيبة الا بالدعاء .
الاب الرحيم يسوق لاولاده كل خير ، ويصرف عنهم كل سوء سالوه ام لم يسالون
، علموا ام لم يعلموا ، ولله المثل الاعلى .
حقيقة المصيبة .
ولكن الحقيقة ان المصائب والمحن والشدائد هي في غايتها علاج رباني للنفوس المريضة ، قال
تعالى :
﴿ ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لعلهم يرجعون ﴾
[ سورة السجدة الاية : 21 ]
فلا تبرا النفس من امراضها ؛ من الحسد ، والضغينة ، من الحقد والكراهية ،
من اللؤم والبخل ، من السرف والكبرياء ، من الكذب والنفاق ، من الاثرة والجشع
.
لا تشفى النفس من كل هذه الامراض ، الا بصلتها بالله والتجائها اليه وتوجهها نحوه
، وكلما كانت الصلة محكمة كان الشفاء عاجلا ، ومن هنا كانت المصائب والمحن دافعا
الى هذه الصلة المشافية ، والدعاء قمة هذه الصلة ، وهو اعلى مستوى من مستوياتها
، لان النفس تتوجه الى الله في الدعاء من اعماقها ، بسبب حاجتها اليه ،
قال تعالى :
﴿ ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون ﴾
[ سورة الانعام الاية : 42 ]
الدعاء مخ العبادة .
فالدعاء مخ العبادة ، وهو صلة محكمة بالله ، لان دافعه الحاجة الملحة وفي هذه
الصلة تشفى النفس من امراضها ، وبهذا الشفاء تزول المصاب والمحن لزوال مسبباتها ، قال
تعالى :
﴿ ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وامنتم وكان الله شاكرا عليما ﴾
[ سورة الناس الاية : 147 ]
معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لن ينفع حذر من قدر ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم
عباد الله بالدعاء ))
[ اخرجه الطبراني في المعجم الكبير والامام احمد في مسنده ]
فحينما يقدر الله لعبد مصيبة من اجل تطهيره من امراضه النفسية لا ينفع حذر ولا
ذكاء ولا وساطة في دفعها وقد قيل في الاثر :
(( يؤتي الحذر من مامنه ))
ولكن الدعاء وما ينطوي عليه من صلة وشفاء ، ينفع وحده في دفع المصيبة ،
واية مصيبة ، لان الشفاء قد حصل والدواء قد بطل .
وفي حديث اخر :
عن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم :
(( لا يرد القضاء الا الدعاء ولا يزيد في العمر الا البر ))
[اخرجه الترمذي]
ولكن المؤمن ايها الاخوة الذي فتح الله بصيرته ، فعرف ربه واحبه وقدره حق قدره
، يدعو ربه في الرخاء قبل الشدة ، وفي الصحة قبل اسقم ، وفي الغنى
قبل الفقر ، ففي هذا الدعاء سعادة ايما سعادة ، وفي هذا الدعاء قرب من
جناب الله العالي ، وفي هذا الدعاء نفحات ربانية لا يعرفها الا من ذاقها ،
وهذا دعاء شكر ووصال ، ولعل دعاء الانبياء وكبار المؤمنين من هذا القبيل .
قال عليه الصلاة والسلام :
(( تضرعوا الى ربكم وادعوه في الرخاء فان الله تعالى قال : من دعاني في
الرخاء اجبته في الشدة ، ومن سالني اعطيته ، ومن تواضع لي رفعته ومن تضرع
الي رحمته ، ومن استغفرني غفرت له ))
[ ورد بالاثر ]
فالدعاء في الرخاء معرفة بالله ، وشكر على نعمائه ، وقرب من جنابه والدعاء في
الشدة يستوي فيه المؤمن وغير المؤمن .
ولا تظن يا اخي المؤمن ان الدعاء يجب ان يكون في الامور الخطيرة بل ان
المودة التي بين المؤمن وربه تجعله يساله كل شيء صغر ام كبر وقد روى ابن
حبان عن رسول الله صلوات الله عليه انه قال :
((عن ثابت البناني ان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال ليسال احدكم ربه حاجته
حتى يساله الملح وحتى يساله شسع نعله اذا انقطع ))
[اخرجه الترمذي]
وقد قال ايضا :
(( ان الله يحب الملحين في الدعاء ))
وعن ابي امامة قال : قيل يا رسول الله صلى اللهم عليه وسلم اي الدعاء
اسمع قال :
(( جوف الليل الاخر ودبر الصلوات المكتوبات ))
[اخرجه الترمذي وابن ماجة]
وقد قال علي كرم الله وجهه ، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا
اقول اللهم ارحمني ، فضرب بيديه بين كتفي وقال :
(( اعم ولا تخص فان بين الخصوص والعموم كما بين السماء والارض ))
وقد روى ابن خزيمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لا تدعوا على انفسكم ، ولا تدعوا على اولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم
، ولا تدعوا على اموالكم ))
وقد جاء في الحديث القدسي عن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى اللهم
عليه وسلم :
(( اذا بقي ثلث الليل نزل الله عز وجل الى سماء الدنيا فيقول من ذا
الذي يدعوني فاستجيب له من ذا الذي يستغفرني فاغفر له من ذا الذي يسترزقني فارزقه
من ذا الذي يستكشف الضر فاكشفه عنه حتى ينفجر الفجر ))
[اخرجه احمد]
لهذا قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم :
(( من لم يدع الله غضب الله عليه ))
[اخرجه احمد]
ايها الاخوة المؤمنون ؛ ومع ان للدعاء شروط تحدثنا عنها في خطبة سابقة ، فقد
اجمع العلماء على ان دعاء المضطر مستثنى من اي شرط ، لقوله تعالى :
﴿ امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض ائله مع الله قليلا
ما تذكرون ﴾
[ سورة النمل الاية : 62 ]
فالعبد اي عبد اذا نزلت به مصيبة ، وعلم ان الله قادر على ان يصرفها
عنه ، ودعا ربه بصدق ، ولم يشرك به شيئا ، فالله اعظم واكرم من
ان يخيب ظنه ، ويحبط رجاءه .
فيا ايها المؤمنون ؛ ثقوا بربكم ، وضعوا عنده همومكم ، وحوائجكم ولا تلتفتوا الى
غيره ، ولا تدعون دعاء الممتن ، بل دعاء الواثق من الاجابة واذا اردتم عطاء
لا ينفذ ، وسعادة لا تنقطع ، فاشغلوا انفسكم بذكره ، وعرفوا الناس به ،
فقد جاء في الحديث القدسي :
(( من شغله ذكري عن مسالتي اعطيته فوق ما اعطي السائلين ))
وفي حديث قدسي اخر :
(( ومن احبنا احببناه ، ومن طلب منا اعطيناه ، ومن اكتفى بنا عما لنا
كنا له وما لنا ))
فالدعاء سلاح المؤن ، وعماد الدين ، ونور السماء والارض كما روي عن رسول الله
.
او كما قال .
ايها الاخوة الكرام ؛ حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم
تسعدوا ، واعلموا ان ملك الموت قد تخطانا الى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا الينا ،
فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع
نفسه هواها وتمنى على الله الاماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، واشهد ان لا اله الا الله ولي الصالحين ، واشهد
ان سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا
فيما اعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فانك تقضي بالحق ولا يقضى
عليك ، اللهم اعطنا ولا تحرمنا ، اكرمنا ولا تهنا ، اثرنا ولا تؤثر علينا
، ارضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالاقتار ، فنسال شر
خلقك ، ونبتلى بحمد من اعطى ، وذم من منع ، وانت من فوقهم ولي
العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الارض والسماء .
اللهم اهدنا لصالح الاعمال لا يهدي لصالحها الا انت ، واصرف عنا شر الاعمال لا
يصرفها عنا الا انت .
- دعاء شعبان
- ادعيه ليله نصف من شعبان
- دعاء النصف من شعبان