فان في ادعيه الصالحين مما قص الله علينا في القران الكريم لعبره عظيمه للمؤمنين، وهذا
الفقه العظيم من اولئك النفر الكرام من الانبياء والصالحين فيه قدوه لعباد الله في ادعيتهم،
وان المؤمن ليرى في ادعيه هؤلاء الانبياء والصالحين المعاني العظيمه ، والعبوديه الكامله لله عز
وجل.
ان ادعيتهم في السراء والضراء لرب العالمين في الشده والرخاء للحي القيوم ديان السماوات والارضين.
وهذا موسى عليه السلام لما ابتلي بفرعون، واشتد اذى فرعون على قوم موسى عليه السلام،
وطالت تلك المناظرات والمواجهات بين هذا النبي الكريم وعدو الله فرعون، رفع موسى يديه يدعو
ربه: انك اتيت فرعون وملاه زينه واموالا في الحياه الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا
اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم * قال قد
اجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمونسوره يونس:88-89، وهكذا كان القرار الاخير بعد
استنفاذ كافه الوسائل في الدعوه لما صارت البيوت المزخرفه ، والاموال العظيمه ، والمراكب الفاخره
صارت فتنه لهؤلاء القوم يستعينون بما اتاهم الله على معصيته، وعلى فتنه عباده، وعلى الافساد
في الارض، دعا موسى ان يتلفها الله عز وجل، اما بهلاك الذين يستعملونها، او بجعل
هذه الاموال على وجه لا ينتفع به، فقال ذلك الدعاء.
لقد كان موسى عليه السلام حريصا الا يزداد اولئك القوم في الطغيان؛ لان زيادتهم في
الطغيان زياده لعذابهم، ولان في زياده طغيانهم فتنه للمؤمنين، والمحافظه على المؤمنين، ووقايه هؤلاء المؤمنين
من فتنه الكافرين والطاغين امر مهم للغايه يحرص عليه موسى عليه السلام، وكانت اذيه بني
اسرائيل بعد ذلك لموسى عليه السلام، وتمردهم عليه موجبه لشكوى موسى الكليم الى ربه: قالوا
يا موسى انا لن ندخلها ابدا ما داموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا
قاعدونسوره المائده :24بهذه الوقاحه يواجهون نبيهم، كان القوم سيخرجون لهم من البلد ليدخلوها هم بردا
وسلاما، ما كان ذلك ليحصل، ولما حصلت هذه المعصيه ، وحصل التمرد من بني اسرائيل
على نبيهم ماذا قال؟ قال رب اني لا املك الا نفسي واخيسوره المائده :25، وصل
موسى عليه السلام الى مرحله صار ليس له كلمه الا على اخيه، تمرد عليه القوم،
وهذا من طبع اليهود: قال رب اني لا املك الا نفسي واخي فافرق بيننا وبين
القوم الفاسقينسوره المائده :25.
وهكذا قص الله سبحانه وتعالى علينا من خبره مع اخيه مع بني اسرائيل لما عبدوا
العجل في غيابه، وتمردوا على هارون الذي قال معتذرا لموسى: ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني
فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين * قال رب اغفر لي ولاخي
وادخلنا في رحمتك وانت ارحم الراحمينسوره الاعراف:151ينظر نبي الله حوله، يتلفت فلا يجد الا الواحد
والعدد القليل من الناس الذين ثبتوا، والبقيه زلوا، سقطوا في الفتنه : الا في الفتنه
سقطواسوره التوبه :49فماذا يقول؟ وبماذا يدعو لمن ثبت معه؟ قال رب اغفر لي ولاخي وادخلنا
في رحمتكسوره الاعراف:151ادخلنا فيها؛ فتكون الرحمه محيطه بهما من كل جانب، فهي حصن حصين، وخير
وسرور، وحمايه من الشرور.
الهي اشكو البث والحزن كله *** اليك فكن لي راحما لشكيتي
يشتكي موسى الى ربه، ويدعو ربه ان يفرق بينه وبين القوم الفاسقين، يجعل هناك فرقانا،
ويجعل له العلو والظفر، والظهور عليهم، وهو محتاج الى رحمه ربه ومغفرته، يدعو بها ولاخيه،
فلا ينسى اخاه.
وهكذا حصل لموسى ايضا مع بني اسرائيل لما اخذتهم الرجفه ، لقد تواقح القوم، وتمردوا
لدرجه انهم قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهره سوره البقره :55اخذتهم الصاعقه ،
ماتوا، اخذ الله ارواحهم.
وكان من قبل قد حصل لهم امور، واخذتهم رجفه ، ومن بعد نتق الجبل فوقهم:
فلما اخذتهم الرجفه قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياييتوسل الى ربه بقدره ربه
على الاهلاك، وعلى الاماته ، ثم قال: اتهلكنا بما فعل السفهاء منا ان هي الا
فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير
الغافرين * واكتب لنا في هذه الدنيا حسنه وفي الاخره انا هدنا اليكسوره الاعراف:155-156، فتامل
في عظمه هذا الدعاء في توجه موسى الى ربه، يتوسل اليه، يعلن الخضوع والاعتراف بقدرته،
وهذا مهم في الدعاء، ويعتذر، وكانه هو المذنب، مع ان اولئك القوم الذين تمردوا عليه
هم الذين اجرموا، وفعلوا فعلتهم الشنعاء بعباده العجل وموسى يطلب المغفره لنفسه، اولئك يذنبون، وهو
يطلب المغفره ، سبحان الله! تسليم مطلق لقدره الله يقدمه موسى بين دعائه لربه: رب
لو شئت اهلكتهم من قبل وايايمعهم واياي، اتهلكنا بما فعل السفهاء منا، ثم يدعو ربه
ان يكتب له في هذه الدنيا حسنه ، حسنه الدنيا عظيمه : واكتب لنا في
هذه الدنيا حسنه تشمل العلم النافع، والعمل الصالح، والذكر الجميل، والرزق الواسع، والصحه ، والذريه
الطيبه ، هكذا حسنه الدنيا شامله ، وفي الاخره سوره الاعراف:156ظل في العرش، ووقايه من
النار، وسلامه في العبور عليها، ودخول الجنه ، حسنات انها حسنه عظيمه حسنه الاخره المتضمنه
لكل هذه المزايا.
واكتب لنا في هذه الدنيا حسنه وفي الاخره سوره الاعراف:156، ونحن عندنا هذا الدعاء علمنا
الله اياه: ربنا اتنا في الدنيا حسنه وفي الاخره حسنه سوره البقره :201.
ان تقديم الاعتذار والاعتراف، وبيان ضعف المخلوق امام خالقه، وقدره الخالق على المخلوقين، تقديم ذلك
بين الدعاء سر عظيم من اسباب الاجابه .
رب اني ظلمت نفسي فاغفر ليسوره القصص:16،رب نجني من القوم الظالمينسوره القصص:21،رب اني لما انزلت
الي من خير فقيرسوره القصص:24اظهار الحاجه .
