الدعاء لولاة الامر
تاليف
وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد
المملكةالعربية السعودية
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه .
اما بعد
فمما لا شك فيه ان دعاء الله عزوجل من افضل انواع العبادة، فقد ثبت ان
رسول الله $ قال : (( الدعاء هو العبادة)) وفي رواية اخرى : (( الدعاء
مخ العبادة)) . ودعاء المسلم لاخيه المسلم في ظهر الغيب سبب لقبول الدعاء ، واجابته
عند الله عزوجل ، والدعاء لولاة امور المسلمين بالصلاح والتسديد والاخذ بايديهم الى ما يصلح
رعاياهم وينصرهم على اعدائهم من الكفرة والملحدين،وهو من الامور التي حثت عليها شريعة الله ،
اذ بصلاحهم تصلح امور البلاد والعباد.
فان ولي الامر اذا صلح صلح شان الرعية ، واستقام امرها ، ومن هنا كان
دعاء الله لهم من افضل ما يتقرب به الانسان الى الله عزوجل ، حيث ان
نفعه لا يقتصر على شخص بعينه ، ولكنه عام يستفيد منه كل افراد الامة .
والدعاء لولاة امور المسلمين فيه ابراء للذمة فالدعاء من النصيحة لهم ، والنصح لهم امر
حثت عليه الشريعة ، فقد ثبت ان رسول الله $ قال : (( الدين النصيحة))
كرر ذلك ثلاثا قال الصحابة :لمن يا رسول الله قال: (( لله ولكتابه ولرسوله ولائمة
المسلمين وعامتهم )) وثبت عن جرير بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه –
قال : (( بايعت رسول الله $ على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم)). والنصح لائمة
المسلمين يشمل كل من له ولاية على المسلمين من الحكام والامراء والقضاة سواء اكانت ولاية
صغيرة او كبيرة وهذا يتمثل في السمع لهم والطاعة ما لم يامروا بمعصية الله ،
فاذا امروا بمعصية الله فلا سمع لهم ولا طاعة كما ورد بذلك الحديث.
(61/1)
ولاهمية ما تضمنه هذا الكتاب ( الدعاء لولاة الامر ) عزمت وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف
والدعوة والارشاد على اخراجه ففيه الحث على الدعاء لولاة المسلمين وبيان ما يجب لهم و
ما يجب عليهم لرعاياهم ،وايضاح فائدة الدعاء لهم ،لا سيما في ظهر الغيب ، فان
الدعاء في ظهر الغيب من بواعث الاجابة كما ورد في الحديث الشريف.
والذي دعا الى نشر هذا البحث اضافة الى اهميته امران:
اولهما : الحاجة الماسة الى هذا الدعاء في هذا الزمن الذي تكالب فيه الاعداء على
المسلمين ،ولا حول ولا قوة الا بالله .
الثاني : انه لم يسبق للوزارة افراد هذا الموضوع – على اهميته – ببحث مستقل.
وقد جرى جمع ما تيسر من مادة علمية ، في ستة مباحث على النحو التالي:
الامامة .
السمع والطاعة.
النهي عن سب الامراء والصبر على جورهم.
النصيحة .
الدعاء لولاة الامر
من فوائد الدعاء لولاة الامر.
فعليك اخي المسلم بالدعاء لهم فلعل الله عزوجل ان يجيب دعوتك فيجعلهم من الراشدين المهديين
، وبذلك تصلح الامور وتزول الشرور وتتنزل البركات وتكثر الخيرات نسال الله تعالى ان يحمي
هذه البلاد المباركة من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وان يديم عليها
الرخاء والخير ، والامن و السكينة ، في ظل قيادتها الرشيدة، وان يبقيها رمزا للاسلام
،ومنارا يهتدى به ،واماما يقتدى به ، وان يكفيها شر اعدائها ، ويكتب لها العز
والتاييد ، والنصر والتمكين . انه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله وسلم على
نبينا محمد واله واصحابه اجمعين.
وكالة وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد لشؤون المطبوعات والنشر
الامامة
من هم ولاة الامر :
ان مما هو معلوم – بالضرورة – لكل احد ، ان امور بني الانسان لا
يمكن ان تاخذ السيرة المستقيمة الا بوجود امام يلتف الناس حوله ، ياتمرون بامره وينتهون
بنهيه ، يردع الظالم ويضع الحق في نصابه . وقديما قال ذاك الشاعر الجاهلي :
(61/2)
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم…ولا سراة اذا جهالهم سادوا(1)
وحين جاء الاسلام اكد على هذا الامر تاكيدا عظيما وجعل ( اتخاذ الامارة دينا وقربة
، يتقرب بها الى الله عزوجل)(2).
بل لقد اجمع المسلمون الا من لا يعتد بخلافه على وجوب الامامة وعلى وجوب نصب
الامام(3) . قال الامام احمد رحمه الله : ( الفتنة ؛ اذا لم يكن امام
يقوم بامر الناس ) (4).
بيد ان المقصود الاعظم من الامامة ( اصلاح دين الخلق ؛ الذي متى فاتهم خسروا
خسرانا مبينا ، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا واصلاح ما لا يقوم الدين
الا به من امر دنياهم)(5).
وبدون امامة لا تقوم للدين قائمة ، ولا يشاد له معلم ، يقول شيخ الاسلام
ابن تيمية رحمه الله : ( يجب ان يعرف ان ولاية امر الناس من اعظم
واجبات الدين بل لا قيام للدين الا بها فان بني ادم لا تتم مصلحتهم الا
بالاجتماع ، لحاجة بعضهم الى بعض ، ولا بد لهم عند الاجتماع من راس ،
حتى قال النبي $ :(( اذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا احدهم )) رواه ابو
داود من حديث ابي سعيد وابي هريرة رضي الله عنهما(6) .
……………
…………
السمع والطاعة
ان من اكبر ما ينهض بتلكم الامامة ، ان يلتزم المجتمع بالسمع والطاعة لولاة الامر
في غير معصية ، وفي هذا انتظام شؤون العباد الدينية والدنيوية ، ويوم لا يعلن
المجتمع ذلك ، ولا يدين به ، فلا وجود – حقيقي – لامامة ، ولا
اعتبار لحاكم ، ومن مشهور الكلم : (( لا امامة الا بسمع وطاعة))(7).
__________
(1) قائله : الافوه الاودي . ينظر (( الامالي )) للقالي (2/250).
(2) السياسة الشرعية )) لابن تيمية ( ص: 219)
(3) ينظر ((الاحكام السلطانية)) للمارودي(ص:5) وابي يعلى الفراء ( ص: 19) ، و(( الفصل لابن
حزم)) ( 4/87).
(4) الاحكام السلطانية)) لابي يعلى ( ص: 19)
(5) السياسة الشرعية)) (ص :39)
(6) السياسة الشرعية)) ( ص: 217)
(7) الدرر السنية )) ( 7/288)
(61/3)
ولقد تظافرت النصوص التي توجب على المسلم السمع والطاعة بالمعروف ، من مثل قوله $
: (( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره ، الا ان يؤمر بمعصية
)) رواه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما(1).
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله : ( واما السمع والطاعة لولاة امور المسلمين ففيها
سعادة الدنيا ، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم ، وبها يستعينون على اظهار دينهم
وطاعة ربهم )(2) .
والمسلم اذا سمع واطاع ، ا جر ، لانه – في حقيقة الامر – ممتثل
امر الشرع المطهر ، والعكس بالعكس، اي اذا لم يسمع ولم يطع اثم ، ففي
المتفق عليه من حديث ابي هريرة – رضي الله عنه -، قال : قال رسول
الله $ : (( من اطاعني فقد اطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله
، ومن يطع الامير فقد اطاعني ، ومن يعص الامير فقد عصاني))(3)
ويقول شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله : ( فطاعة الله والرسول واجبة على كل
احد ، وطاعة ولاة الامور واجبة لامر الله بطاعتهم فمن اطاع الله ورسوله بطاعة ولاة
الامر فاجره على الله . ومن كان لا يطيعهم الا لما ياخذه من الولاية والمال
، فان اعطوه اطاعهم وان منعوه عصاهم ؛ فماله في الاخرة من خلاق ))(4).
والسمع والطاعة لولاة المسلمين من الحكام والامراء والعلماء شيء مجمع على وجوبه عند اهل السنة
والجماعة ، وهو اصل من اصولهم التي باينوا بها اهل البدع والاهواء.
وقل ان ترى مؤلفا في عقائد اهل السنة ، الا وهو ينص على وجوب السمع
والطاعة لولاة الامر ، وان جاروا وظلموا وان فسقوا وفجروا ما لم يامروا بمعصية الله
.
__________
(1) صحيح البخاري)) ( 3/329) (7144) ، (( صحيح مسلم )) ( 3/1469) ( 1839)
واللفظ لمسلم.
(2) جامع العلوم والحكم)) ( 2/ 117)
(3) صحيح البخاري)) (2/347) (2957) ، (( صحيح مسلم ))(3/1466) ( 1835)
(4) مجموع الفتاوى )) ( 35/ 16 ،17)
(61/4)
والاجماع الذي انعقد عند اهل السنة والجماعة على وجوب السمع والطاعة لهم مبني على النصوص
الشرعية الواضحة التي تواترت بذلك(1) .
منها قوله تعالى : ( يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر
منكم ) النساء{59} وعن عوف بن مالك – رضي الله عنه -قال : قال رسول
الله$
:( الا من ولي عليه وال فراه ياتي شيئا من معصية الله فليكره الذي ياتي
من معصية الله ولا ينزع يدا من طاعة )) حديث صحيح رواه مسلم.
وعن فضالة بن عبيد – رضي الله عنه -قال : قال رسول الله $ :
(( ثلاثة لا تسال عنهم : رجل فارق الجماعة وعصى امامه ومات عاصيا …)) حديث
صحيح رواه ابن ابي عاصم وابن حبان والحاكم.
……
…
النهي عن سب الامراء والصبر على جورهم
الوقيعة في اعراض الامراء ،والاشتغال بسبهم ، وذكر معايبهم : خطيئة كبيرة ، وجريمة شنيعة
، نهى عنها الشرع المطهر ، وذم فاعلها ،وهي نواة الخوراج على ولاة الامر ،
الذي هو اصل فساد الدين والدنيا معا . وقد علم ان الوسائل لها احكام المقاصد
، فكل نص في تحريم الخروج وذم اهله ، فهو دليل على تحريم السب وذم
فاعله(2).
عن انس – رضي الله عنه -قال : نهانا كبراؤنا من اصحاب محمد $ قالوا
: قال رسول الله $ : (( لا تسبوا امراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا
الله واصبروا فان الامر قريب )) حديث صحيح رواه ابن ابي عاصم وصححه الالباني .
عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه -قال : قال رسول الله $ :
(( يكون بعدي ائمة لا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب
الشياطين في جثمان انس )) قلت : كيف اصنع ان ادركت ذلك ؟ قال :
(( تسمع وتطيع للامير وان ضرب ظهرك واخذ مالك)) حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه
.
__________
(1) انظر : معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة ص 75 .
(2) معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة ص 87.
(61/5)
عن ام سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله $ :(( سيكون بعدي
امراء فتعرفون و تنكرون فمن انكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي
وتابع )) قالوا : افلا ننابذهم بالسيف ؟ قال : ((لا ما اقاموا فيكم الصلاة
)) حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه .
عن ابي بكرة – رضي الله عنه -قال : قال رسول الله $ : ((
السلطان ظل الله في الارض فمن اهانه اهانه الله ومن اكرمه اكرمه الله )) حديث
صحيح رواه ابن ابي عاصم واحمد و الطيالسي والترمذي وابن ماجه وحسنه الالباني في الظلال.
عن عرفجة الاشجعي – رضي الله عنه -قال : قال رسول الله $ : ((
من اتاكم وامركم جميع على رجل واحد يريد ان يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه)) حديث
صحيح رواه مسلم في صحيحه .
عن وائل بن حجر – رضي الله عنه -قال : قلنا يا رسول الله :
ارايت ان كان علينا امراء يمنعونا حقنا ويسالونا حقهم ؟ فقال : (( اسمعوا و
اطيعوا . فانما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)) حديث صحيح رواه مسلم.
……………
النصيحة
النصيحة : ( حيازة الحظ للمنصوح له ) (1) والواجب في كل مجتمع مسلم ان
يشيع فيه مبدا التناصح ، لان شيوع هذا المبدا ياخذ بالمجتمع نحو الكمال ويناى به
عن مهاوي النقص . اذ المؤمنون اخوة يحب الواحد منهم لاخيه ما يحب لنفسه ،
بل جاء في الحديث الشريف ان المؤمن مراة اخيه(2) . اي يخبره بجوانب النقص التي
تخدش دينه وتثلم مروءته ، لا سيما وان النقصان سمة الانسان ولا يكون الكمال الا
لواهبه.
__________
(1) شرح صحيح مسلم )) للنووي ( 2 /37).
(2) رواه عن ابي هريرة – رضي الله عنه – البخاري في ( الادب المفرد
) (( صحيح الادب المفرد )) (ص : 106 ، 107 ) ، وابو داود
(( في السنن )) ( 5 /218،217) ( 4918) واسناده حسن ، كما قال الحافظ
ابن حجر في ((بلوغ المرام)) ( ص: 281)
(61/6)
وما احسن صنيع بعض العلماء حين ربط بين المعنيين ، اللغوي والعرفي للنصيحة بقوله :(
النصيحة ماخوذة من نصح الرجل ثوبه ، اذا خاطه ، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه
من صالح المنصوح له ، بما يسده من خلل الثوب )(1)
ولقد كان نبينا $ حريصا على انتشار التناصح في الامة حتى جعل يبايع بعض الصحابة
على بذل النصيحة للمسلمين ، فقد اخرج الامام مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد
الله – رضي الله عنه -قال : (( بايعت رسول الله $ على اقام الصلاة
وايتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ))(2).
وليست نصيحة المسلم لاخوانه مقصورة على اهدائهم عيوبهم فحسب ، بل هي عامة تشمل كل
ما فيه نفعهم مثل : ( ارشادهم لمصالحهم في اخرتهم ودنياهم ، وكف الاذى عنهم
، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم ، ويعينهم عليه بالقول والفعل ، وستر عوراتهم وسد
خلاتهم ، ودفع المضار عنهم ، وجلب المنافع لهم ، وامرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر
برفق واخلاص ، والشفقة عليهم وتوقير كبيرهم ، ورحمة صغيرهم ، وتخولهم بالموعظة الحسنة ،
وترك غشهم وحسدهم ، وان يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ، وان يكره
لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن اموالهم واعراضهم وغير ذلك من احوالهم بالقول
والفعل ، وتنشيط هممهم الى الطاعات )(3) ونحو ذلك.
فكل هذه الاشياء داخلة في مفهوم النصيحة ،ولهذا عظم النبي $ شانها بقوله : ((
الدين النصيحة ..)) فجعلها عماد الدين وقوامه . ولذا كان هذا الحديث عند بعض العلماء
احد عدة احاديث يدور عليها الدين(4).
__________
(1) شرح صحيح مسلم )) للنووي ( 2/37) ، وينظر :(( المعلم بفوائد مسلم ))
( 1/197) .
(2) صحيح مسلم )) ( 1/ 75) ( 56).
(3) شرح صحيح مسلم )) للنووي ( 2/ 39)
(4) ينظر :(( السابق )) (2/37) ، ((فتح الباري)) ( 1/167) ، (( جامع العلوم
والحكم )) (1/215)
(61/7)
واذا كانت حاجة المسلم – اي مسلم – شديدة الى النصيحة ، فان حاجة ولي
الامر اليها اشد واعظم ، لانه القائم على شؤون الناس والراعي لمصالحهم اجمعين.
فلما ينهض به من جليل الاعمال وعظيم المهام احتاج الى الناصح الامين والموجه المخلص ،ومن
هنا حض المصطفى $ على ازجاء النصيحة لولي الامر في غير ما حديث ، فقال
عليه الصلاة والسلام – في الحديث المشار اليه قريبا :(( الدين النصيحة )) قيل :
لمن يا رسول ؟ قال :(( لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ))(1) رواه مسلم
من حديث تميم الداري – رضي الله عنه – .
وعن ابي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال $ :(( ان الله
يرضى لكم ثلاثا ؛ يرضى لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وان تعتصموا
بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ،وان تناصحوا من ولاه الله امركم))(2).
__________
(1) صحيح مسلم)) (1/74)(55) ، وانظر روايات هذا الحديث بالفاظه في (تعظيم قدر الصلاة )
للمروزي(2/681).
(2) رواه مالك في ((الموطا)) ( 2/990) واحمد في ((المسند)) (2/327) وابن حبان في ((الصحيح))
(8/182 ، 183 الاحسان ) ، ( 3388) واسناده صحيح
(61/8)
وعن جبير بن مطعم – رضي الله عنه – ان النبي $ قال في خطبته
بالخيف من منى :(( ثلاث لا يغل(1) عليهن قلب امريء مسلم : اخلاص العمل لله
و مناصحة ولاة الامر ، ولزوم جماعة المسلمين))(2).
فهذه النصوص النبوية وما ماثلها تحث المؤمن على ان يقوم بحسب استطاعته بواجب النصيحة لمن
ولاه الله امره(3).
ولا يتوهمن احد ان مناصحة ولي الامر لا تكون الا في الوقوف امامه ووقفه على
مواضع تقصيره ، كلا ، بل مفهوم المناصحة اوسع من ذلك اذ يشمل هذا وغيره
مما هو اكثر منه ، وفي ظني ان الناس انما دخل عليهم النقص والخلل في
نصيحة اولي الامر ، حين لم يفقهوا ما تشمله تلك النصيحة ، ذلك ان نصيحة
ولي الامر تشمل ما يلي :
طاعته والسمع له بالمعروف.
عدم الخروج عليه.
ارشاده الى الحق بالحسنى ، واعانته عليه .
طي عيوبه ونشر محاسنه.
الذب عن عرضه.
الدعاء له بالتوفيق والصلاح.
__________
(1) قال ابن الاثير (لا يغل) من الاغلال ،وهو الخيانة في كل شيء . ويروى
: (يغل) بفتح الياء ، من الغل ، وهو الحقد والشحناء،اي :لا يدخله حقد يزيله
عن الحق . وروي (يغل) بتخفيف اللام ، من الوغول : الدخول الى الشر. والمعنى
:(( ان هذه الخلال الثلاث تستصلح به القلوب من تمسك بها طهر قلبه من الخيانة
والدغل والشر)) (( النهاية)) لابن الاثير ( 3/381).
(2) رواه الامام احمد في ((المسند)) (4/80 ،82) وسنده جيد ، كما قال الساعاتي في
(( بلوغ الاماني )) (6/165) وله شاهد من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه
عند ابن حبان (1/270- الاحسان) (67) وسنده صحيح.
(3) ينظر(( مجموع الفتاوى)) (35/ 5 ،6 ،9، 10).
(61/9)
يقول الحافظ ابن حجر –رحمه الله : ( والنصيحة لائمة المسلمين : اعانتهم على ما
حملوا القيام به ، وتنبيههم عند الغفلة ، وسد خلتهم عن الهفوة ، وجمع الكلمة
عليهم ، ورد القلوب النافرة اليهم ، ومن اعظم نصيحتهم ؛ دفعهم عن الظلم بالتي
هي احسن)(1) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله-في كلمة مستوعبة – : ( واما النصيحة
لائمة المسلمين ، وهم ولاتهم ؛ من السلطان الاعظم ، الى الامير ، الى القاضي
، الى جميع من لهم ولاية صغيرة او كبيرة ، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم
اعظم من غيرهم ، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم وذلك باعتقاد امامتهم ،
والاعتراف بولايتهم ، ووجوب طاعتهم بالمعروف ، وعدم الخروج عليهم ، وحث الرعية على طاعتهم
، ولزوم امرهم الذي لا يخالف امر الله ورسوله ، وبذل ما يستطيع الانسان من
نصيحتهم وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون اليه في رعايتهم ، كل احد بحسب حاله
والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق ، فان صلاحهم صلاح لرعيتهم .
واجتناب سبهم والقدح فيهم واشاعة مثالبهم ، فان في ذلك شرا وضررا وفسادا كبيرا، فمن
نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك .
وعلى من راى منهم ما لا يحل ان ينبههم سرا لا علنا ، بلطف وعبارة
تليق بالمقام ويحصل بها المقصود ، فان هذا مطلوب في حق كل احد ، وبالاخص
ولاة الامور ، فان تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير ، وذلك علامة الصدق
والاخلاص …)(2).
فكل هذه الامور الجليلة كما ترى داخلة في النصيحة لولي الامر ، وعلى كل مسلم
يريد القيام بما اوجب الله عليه ، ان ياتي بما تتطلبه هذه النصيحة او بما
يستطيعه من ذلك ، بحسب قدرته وحاله.
__________
(1) فتح الباري )) (1/167)
(2) الرياض الناضرة ص :38 ، 39 .
(61/10)
ومن اعظم حقوق النصيحة لولي الامر ، امر غفل عنه كثير من الناس في هذا
الزمان المتاخر ، ولا يسع احدا تركه، لانه في مقدروهم جميعا ، الا وهو الدعاء
لولي الامر ، وهو ما سنتحدث عنه في المبحث التالي ان شاء الله .
……………
الدعاء لولاة الامر
حرص ائمة اهل السنة والجماعة منذ القرون الاولى على بيان ذلك السبيل السوي الذي سار
عليه – في معتقدهم – خيار الامة بعد نبيها $ ؛ من الصحابة والتابعين ومن
اقتفى اثرهم باحسان .
وبدهي ان من اجل غاياتهم في هذا البيان ، تمييز منهج اهل السنة العقدي، عن
غيره من المناهج البدعية الطارئة ، حتى لا يختلط الامر على طالب الحق ومبتغى الرشد
،
وكان من القضايا التي تناولوها بالبيان والتحليل ، وجعلوها – فيما ظهر لهم – من
اصول اهل السنة ، طاعة اولي الامر وعدم الخروج عليهم ، ولم يقفوا عند هذا
، بل جاوزوه الى ما هو اخص منه ، وهو الدعاء لاولي الامر بالتوفيق والصلاح
والسداد .
ولعمر الله ان هذا لهو الحق ، ففي صلاح ولاة الامر صلاح العباد والبلاد ،
كما قال القاضي عياض رحمه الله(1).
واليك ما وقفنا عليه من مقالاتهم في هذا الباب : يقول الامام ابو جعفر الطحاوي
رحمه الله (( ت سنة 321 ه )) في (( عقيدته المشهورة )) ما نصه
( ولا نرى الخروج على ائمتنا و ولاة امورنا وان جاروا ، ولا ندعوا عليهم
ولا ننزع يدا من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزوجل فريضة ما لم
يامروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة )(2).
وقال امام اهل السنة في عصره ابو محمد البربهاري رحمه الله (( ت سنة 329
ه)) في (( شرح السنة )) : ( فامرنا ان ندعوا لهم بالصلاح ، ولم
نؤمر ان ندعوا عليهم ، وان ظلموا وان جاروا ، لان ظلمهم وجورهم على انفسهم
، وصلاحهم لانفسهم و للمسلمين )(3).
__________
(1) وسياتي نص كلامه ان شاء الله.
(2) العقيدة الطحاوية مع شرح ابن ابي العز)) ( ص : 379)
(3) شرح السنة )) ( ص : 117).
(61/11)
وقال الامام الحافظ ابو بكر الاسماعيلي (( ت سنة 371 ه )) رحمه الله في
(( اعتقاد اهل السنة )): ( و يرون [ اي اهل السنة و الجماعة] الصلاة
؛ الجمعة وغيرها ، خلف كل امام مسلم ، برا كان او فاجرا … ويرون
الدعاء لهم بالصلاح والعطف الى العدل )(1).
وقال الامام شيخ الاسلام ابو عثمان الصابوني رحمه الله (( ت سنة 449 ه ))
في (( عقيدة السلف واصحاب الحديث )) : ( ويرى اصحاب الحديث الجمعة والعيدين و
غيرهما من الصلوات ، خلف كل امام ، برا كان او فاجرا ، ويرون جهاد
الكفرة معهم ، وان كانوا جورة فجرة ، ويرون الدعاء لهم بالاصلاح والتوفيق والصلاح ،
وبسط العدل في الرعية )(2).
واعلم ايها الاخ الكريم ؛ ان هؤلاء الائمة الهداة لم يكونوا ليكتفوا بتسطير هذه الكلمات
في مؤلفاتهم وحسب ، بل كانوا يطبقون هذا الامر في حياتهم العملية ، ويفوهون به
امام اهل الناس تعليما لهم وارشادا ، ودونك مثالا على هذا امام اهل السنة الصديق
الثاني ابا عبد الله احمد بن حنبل – رحمه الله ورضي عنه – فمع تعدد
ما كتب هذا الامام في الحث على طاعة السلطان والدعاء له ، ضمن النبذ التي
كان يكتبها في اعتقاد اهل الايمان(3) ، فانه كان ايضا دائم الدعاء للسلطان ، وبخاصة
اذا مر ذكره ، او عرض له ذكر في اثناء مسالة .
قال ابو بكر المروذي : سمعت ابا عبد الله ، وذكر الخليفة المتوكل ، فقال
: ( اني لادعو له بالصلاح والعافية ..)(4).
__________
(1) اعتقاد اهل السنة )) ( ص : 50 ).
(2) عقيدة السلف واصحاب الحديث )) ( 91 ، 92 ).
(3) ينظر شيء من ذلك في : (( مناقب الامام احمد )) لابن الجوزي ،
( ص : 216 ، 221 ) .
(4) السنة للخلال )) ( ص : 84 ) قال محققه :(( اسناد هذا الاثر
صحيح )).
(61/12)
وقال احمد بن الحسين بن حسان – وهو احد اصحاب الامام احمد – سمعت ابا
عبد الله وسئل عن طاعة السلطان ، فقال بيده : عافى الله السلطان ، تنبغي
، سبحان الله ! السلطان ؟ (1).
ولقد بالغ هذا الامام في حث الناس على الدعاء لولي الامر فارسل مقولته التي اشتهرت
اشتهار الشمس ، واصبحت حكمة تتناقلها الالسنة ، وهي :(( لو ان لي دعوة مستجابة
ما جعلتها الا في السلطان ))(2).
وهذا يدلك على عظيم فقه هذا الامام الراشد و بعد نظره ، فهو يريد اولا
ان يعلم الناس مبدا السمع والطاعة ، ويريد منهم ثانيا ان تلهج السنتهم بدعوات صادقة
، يسالون الله فيها الهداية للسلطان ، وان ياخذ بيده الى الحق .
فحري بالمسلمين الذين يرغبون في القيام بواجب النصيحة ، وسلوك جادة السلف ، حري بهم
ان يخصوا ولاة امرهم بشيء من دعائهم ، ويا ليت المشتغلين باعراض الولاة امسكوا عن
ما هم فيه ، واستبدلوا به الدعاء ، فلو فعلوا ذلك لكان خيرا لهم ،
على ان الاشتغال بالاعراض لا يقرب بعيدا ولا يقيم معوجا ، وانما يوغر الصدور ويجلب
الاوزار، قال الحافظ ابو اسحاق السبيعي : ( ما سب قوم اميرهم الا حرموا خيره
) رواه ابن عبد البر في التمهيد ( 21/287).
وحري بالعلماء والدعاة ان يتحدثوا عن منزلة الدعاء من النصيحة ، ويحثوا الناس كافة عليه
، ويخبروهم ان هذا هو منهج السلف الصالح ، مبينين اثار هذا الدعاء ، والفوائد
المترتبة عليه ، وسنذكر شيئا منها ان شاء الله .
وعلى الخطباء ان لا ينسوا ولي الامر من دعائهم يوم الجمعة ، ولو لم يكن
في دعائهم له الا تعليم الحضور ، لكفى بذلك فائدة .
__________
(1) المسائل والرسائل المروية عن الامام احمد بن حنبل )) (2/4) . وقوله :(( تنبغي
)) ؛ اي طاعة السلطان . والمعنى :ان طاعته واجبة، وفي قول الامام احمد :
(( سبحان الله ، السلطان )) تعظيم لشان السلطان وطاعته .
(2) السياسة الشرعية )) .( ص : 218).
(61/13)
قال الشيخ الدكتور صالح الفوزان :( ويسن ان يدعو – اي الخطيب – للمسلمين بما
فيه صلاح دينهم ودنياهم ، ويدعو لامام المسلمين وولاة امورهم بالصلاح والتوفيق وكان الدعاء لولاة
الامور في الخطبة معروفا عند المسلمين ، وعليه عملهم ، لان الدعاء لولاة امور المسلمين
بالتوفيق والصلاح ، من منهج اهل السنة والجماعة ، وتركه من منهج المبتدعة ، قال
الامام احمد : ( لو كان لنا دعوة مستجابة ، لدعونا بها للسلطان ) ولان
في صلاحه صلاح المسلمين .
وقد تركت هذه السنة حتى صار الناس يستغربون الدعاء لولاة الامور ويسيئون الظن بمن يفعله
) (1).
……………
من فوائد الدعاء لولاة الامر
الدعاء لولاة الامر له فوائد عدة وعوائد ثرة ، وقد رغبت في ان اذيل هذا
البحث بذكر ما تحصل لدي من تلكم الفوائد ، عسى ان تكون دافعا لي ولغيري
على الدعاء لولي الامر ، فاقول :
الفائدة الاولى : ان المسلم حين يدعو لولي امره ، فانه يتعبد ربه بهذا الدعاء
، ذلك لان سمعه وطاعته لولي الامر ، انما كانا بسبب امر الله له وامر
رسوله $ ، فالله تعالى يقول : ( يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا
الرسول واولي الامر منكم ) النساء{59}
والنبي $ يقول :(( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره الا ان يؤمر
بمعصية )) (2) متفق عليه.
فالمسلم اذن يسمع ويطيع تعبدا (3)، ومن السمع والطاعة لولي الامر الدعاء له . قال
ناصر الدين ابن المنير رحمه الله ( ت سنة 681 ه) : ( الدعاء للسلطان
الواجب الطاعة ، مشروع بكل حال )(4).
__________
(1) الملخص الفقهي )) ( 1 /182 ).
(2) تقدم تخريجه
(3) ينظر :(( تعظيم قدر الصلاة )) للمروزي ( 2/694) ، (( جامع العلوم والحكم))
( 1/ 222).
(4) الانتصاف )) بهامش (( الكاشف )) ( 4 /105 ، 106 ).
(61/14)
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله : ( الدعاء لولي الامر من
اعظم القربات ومن افضل الطاعات …).
الفائدة الثانية : ان في الدعاء لولي الامر ابراء للذمة ؛ اذ الدعاء من النصيحة(1)
والنصيحة واجبة على كل مسلم(2) ، قال الامام احمد بن حنبل رحمه الله : (
اني لادعو له [اي السلطان ] بالتسديد والتوفيق – في الليل والنهار – والتاييد وارى
ذلك واجبا علي ) (3).
ولقد مرت بك سلفا كلمة الشيخ العلامة عبد الرحمن ابن سعدي ، وكان مما جاء
فيه قوله رحمه الله : ( واما النصيحة لائمة المسلمين ، وهم ولاتهم ؛ من
السلطان الاعظم ، الى الامير ، الى القاضي ، الى جميع من لهم ولاية صغيرة
او كبيرة ، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم اعظم من غيرهم ، وجب لهم من
النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم ، وذلك باعتقاد امامتهم ، والاعتراف بولايتهم ، ووجوب طاعتهم بالمعروف
، وعدم الخروج عليهم … والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق ، فان صلاحهم صلاح لرعيتهم …).
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله : ( من مقتضى البيعة النصح
لولى الامر ، ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة ).
الفائدة الثالثة : ان الدعاء لولي الامر من علامات اهل السنة والجماعة فالذي يدعو لولي
امره ، متسم بسمة من سمات اهل السنة والجماعة ،
قال الامام ابو محمد البربهاري رحمه الله : ( واذا رايت الرجل يدعو على السلطان
فاعلم انه صاحب هوى ، واذا رايت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح ، فاعلم انه صاحب
سنة ان شاء الله )(4).
__________
(1) ينظر :(( شرح صحيح مسلم )) للنووي ( 2 / 38) ، جامع العلوم
والحكم )) ( 1 /223 ) .
(2) ينظر : (( مجموع الفتاوى )) ( 35 / 5 ، 6 ، 9
، 11 ) .
(3) السنة )) للخلال ( ص : 116 ) .
(4) شرح السنة )) ( 116) .
(61/15)
وقال الامام الاجري رحمه الله ( ت 360 ه) : ( قد ذكرت من التحذير
عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله عزوجل الكريم عن مذهب الخوارج ،
ولم بر رايهم ، وصبر على جور الائمة وحيف الامراء ولم يخرج عليهم بسيفه ،
وسال الله العظيم ان يكشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين ، ودعا للولاة بالصلاح ،
وحج معهم ، وجاهد معهم كل عدو للمسلمين ، وصلى خلفهم الجمعة والعيدين ، …
فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم ان شاء الله
تعالى )(1) .
الفائدة الرابعة : ان في هذا الدعاء تصديقا لمبدا السمع والطاعة ، وتاكيدا له ،
واعلانا به ، ولهذا حين اقتحم رجال الخليفة المتوكل على الامام احمد بيته- على اثر
وشاية – كان فيما قال لهم رحمه الله : (… اني لارى طاعة امير المؤمنين
في السر والعلنية ، وفي عسري ويسري ، ومنشطي ومكرهي ، واثرة علي . واني
لادعو له بالتسديد والتوفيق ، في الليل والنهار …) (2).
ففي قول الامام احمد : (( واني لادعو له …) تاكيد لما يعتقده من السمع
والطاعة واقرار به ، ولهذا ؛ خلى سبيله رجال الخليفة.
الفائدة الخامسة: ان الدعاء لولي الامر عائد نفعه الاكبر الى الرعية انفسهم ، فان ولي
الامر اذا صلح ، صلحت الرعية ، واستقامت احوالها ، وهنئ عيشها.
اخرج البخاري في صحيحه عن قيس بن ابي حازم ان امراة سالت ابي بكر الصديق
– رضي الله عنه – فقالت : ما بقاؤنا على هذا الامر الصالح الذي جاء
الله به بعد الجاهلية ؟ فقال ابو بكر : ( بقاؤكم عليه ما استقامت بكم
ائمتكم )(3)
قال ابن حجر رحمه الله :( اي : لان الناس على دين ملوكهم ، فمن
حاد من الائمة عن الحال ، مال وامال )(4).
__________
(1) الشريعة ص : 46 .
(2) البداية والنهاية)) ( 10 / 337 )
(3) صحيح البخاري)) ( 3/ 51 ) ( 3834).
(4) فتح الباري)) ( 7 /187)
(61/16)
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : (اعلموا ان الناس لن يزالوا بخير
، ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم ) (1).
وقال القاسم بن مخيمرة ( ت سنة 100 ه) رحمه الله : ( انما زمانكم
سلطانكم فاذا صلح سلطانكم صلح زمانكم ، و اذا فسد سلطانكم فسد زمانكم)(2).
وقال ابن المنير رحمه الله :( نقل عن بعض السلف انه دعا لسلطان ظالم ،
فقيل له : اتدعو له وهو ظالم ؟ فقال :اي والله ادعو له ، ان
ما يدفع الله ببقائه ، اعظم مما يندفع بزواله. – قال ابن المنير – لا
سيما اذا ضمن ذلك الدعاء بصلاحه وسداده وتوفيقه)(3).
ولقد سئل الفضيل بن عياض – رحمه الله – حين سمع يقول : ( لو
كانت لي دعوة مستجابة ما جعلتها الا في السلطان) فقيل له : يا ابا علي
فسر لنا هذا ، فقال :( اذا جعلتها في نفسي لم تعدني (4).واذا جعلتها في
السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد )(5).
وفي بعض الروايات :( لانه اذا صلح الامام امن البلاد والعباد)(6).
__________
(1) رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (8 /162 ) واسناده صحيح قاله السخاوي في ((تخريج
احاديث العادلين)) ( ص : 79 )
(2) رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (2/162 ، 163) و(( شعب الايمان )) ( 6/
42) .
(3) الانتصاف )) بهامش (( الكاشف )) ( 4 /106).
(4) اي : لم تجاوزني.
(5) رواه البربهاري في (( شرح السنة)) (ص : 116 ، 117 ) وابو نعيم
في (( الحلية )) (8 / 91 ، 92 ) واسناده صحيح .
(6) شرح اصول اعتقاد اهل السنة والجماعة)) للالكائي ( 2/ 197)
(61/17)
وجاءت هذه الاجابة اكثر تفصيلا عند ابي نعيم في (( الحلية )) ،اذ قال الفضيل
:( اما صلاح البلاد ، فاذا امن الناس ظلم الامام عمروا الخرابات ، ونزلوا الارض
، واما العباد فينظر الى قوم من اهل الجهل ، فيقول : قد شغلهم طلب
المعيشة عن طلب ما ينفعهم من تعلم القران وغيره ، فيجمعهم في دار ، خمسين
خمسين اقل او اكثر ، يقول للرجل : لك ما يصلحك ، وعلم هؤلاء امر
دينهم ، وانظر ما اخرج الله عزوجل من فيئهم مما يزكي الارض ، فرده عليهم
. قال – اي الفضيل – : فكان صلاح العباد والبلاد )(1).
ولقد راقت هذه الكلمات الامام عبد الله بن المبارك رحمه الله ، واعجبه هذا الفقه
والاستنباط ، فقبل جبهة الفضيل وقال له : ( يا معلم الخير ، من يحسن
هذا غيرك؟)(2).
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :
( انشدني احمد بن عمر بن عبد الله لنفسه في قصيدة له :
نسال الله صلاحا……للولاة الرؤساء
فصلاح الدين والد……نيا صلاح الامراء
فبهم يلتئم الشمل……على بعد التناء(3)
وهم المغنون عنا……في مواطين العناء(4)
اقول : فليتامل المتاملون ؛ كم ضيع كثر من الناس على انفسهم من الخير ،
بتركهم الدعاء لولاة امورهم.
الفائدة السادسة: ان ولي الامر اذا بلغه ان الرعية تدعو له ، فانه يسر بذلك
غاية السرور ، ويدعوه ذلك الى محبتهم ورفع المؤن ونحوها عنهم ، ولا يزال يبحث
عما فيه سعاتهم ، وربما بادلهم الدعاء بالدعاء.
__________
(1) حلية الاولياء )) ( 8 / 91 ، 92 ).
(2) حلية الاولياء )) ( 8 / 91 ، 92 ) ، ((شرح اصول اعتقاد
اهل السنة )) ( 2 / 197 ) ، (( تخريج احاديث العادلين )) (
ص : 90 ، 91 ).
(3) اي المكان
(4) جامع بيان العلم)) ( 1/ 642).
- أفضل دعاء للحاكم
- دعاء للحاكم
- ادعية للحاكم
- الاحكام السلطانيه للمارودي
- نص دعاء للحاكم
- دعاء للحاكم الصالح
- الدعاء للحاكم
- دعاء للحاكم الجديد
- دعاء لحاكم
- اللهم اجمع الناس على بعضهم